اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
82236 مشاهدة
الاستعانة بالله

...............................................................................


ثم الإنسان لا يستبد بنفسه ولا يعتمد على قوته، بل يستعين بالله؛ ولذلك قال الله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لما أمرنا بأن نعبده أمرنا أن نستعينه؛ أي نستعينك على عبادتك ونستعينك على كل ما نحتاج إليه؛ فلذلك قال في هذا الحديث احرص على ما ينفعك واستعن بالله وذلك لأن الإنسان خلق ضعيفا، يقول تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا فلا قوة له إلا بإمداد من الله, لا قوة له إلا أن يمده الله تعالى بقوته، وأن يعطيه ما يستعينه به, لا قوة له إلا إذا أعانه الله على أمور دينه، وعلى أمور دنياه.
فأنت تقول بلسان الحال: إنني ضعيف إلا أن يعينني الله، إن الله تعالى هو الذي يوفقني، وهو الذي يساعدني، وهو الذي يمدني، وهو الذي يقويني على ما أعمله من أعمال دينية أو دنيوية، وتقول أيضا بلسان المقال:، يا رب أعني على أمور ديني حتى أتعفف، وحتى أكتسب مالا حلالا، يا رب أعني على ما أقوم به من هذه الحرف، أعني على كسب حلال، أعني على تجارة أتجر بها، وأكتسب كسبا حلالا، أعني على هذا الحرث، أعني على تربية هذه الماشية، أعني على هذه الحرفة وهذه الصنعة حتى تنتج وتكون لها ثمرة، وأستغني بها وأتعفف بها عن الحاجة إلى أحد من المخلوقين، فإذا استعان بالله تعالى فإن الله تعالى يعينه، قال تعالى: وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وذلك أن بعض الناس يستبد برأيه، ويدعي أنه لا حاجة به إلى ربه؛ يستغني عن الله ويستغني عن إعانته، ويقول: هذا بحولي وهذا بقوتي، وما علم أنه ضعيف، وأنه لا حول له ولا قوة، وأن الحول حول الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول لأحد من حال إلى حال، ولا قوة ولا قدرة له إلا بالله تعالى، فعليه أن يستعين بالله في كل حالاته.
فالذين يستبدون بآرائهم، ويدعون أنهم أهل ذكاء وأهل فطنة، وأهل معرفة وخبرة وتجربة في الأمور، وأنهم لا يحتاجون إلى أن يعينهم الله، فيقولون: قد نجحنا في صنعتنا؛ تعاطينا هذه التجارة فنجحنا، وأثرينا وكثرت أموالنا، ونسوا أن الله تعالى هو الذي يسر لهم ذلك، ولو سلط عليهم لتلفت أموالهم، أو يقولون: نجحنا في تربية هذه المواشي حتى أثرينا، وكثرت أموالنا أو يقولون: نجحنا أيضا في غرسنا، وفي أشجارنا وفي زروعنا وأثمرت ثمرا كثيرا كأنهم مستغنون عن الله، وعن إعانة الله تعالى.
المشاهد أن مثل هؤلاء إذا لم يفتقروا إلى ربهم، ولم يظهروا الحاجة إليه أنه يسلبهم ما أعطاهم أحوج ما كانوا إليه، فإن كل ما في يد العبد فإنه ملك الله، وعطاؤه ومنه فهو الذي ييسر للعباد ما أعطاهم وما خولهم، وإذا شاء سلبهم ما أعطاهم، فكم من إنسان أمسى وهو غني فأصبح فقيرا. أصبح وهو غني ثري فأمسى وهو فقير، سلط الله عليه ما أتلف عليه تجارته وماله, إذن فلا بد أن الإنسان يستعين بالله، يطلب من ربه الإعانة، فإنه إذا وكله إلى حوله وإلى طوله وكله إلى ضعف، فلا غنى لأحد عن ربه سبحانه وتعالى طرفة عين. يقول: يا رب أصلح لي شأني كله. لا إله إلا أنت لا غنى عن إعانتك، أصلح لي شأني وأصلح لي أموري، وهيئ لي من أمري رشدا، ولا تكلني إلى نفسي ولا تكلني إلى معرفتي، ولا إلى قوتي، فإذا استعان بالله تعالى أعانه يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله .